التَّوَهَــان فِي رَمَضَــان 2

الأحد، ١٤ رمضان ١٤٢٩ هـ

بلغني أيها الملك الرشيد .. ذو الرأي السديد
أن الفتاة العنيدة .. كبرت و أصبحت رشيدة .. و لم تكن عن الحكمة ببعيدة
و عنادها أصبح شجاعة .. فلم تكن فتاة ذات مياعة :)
و لكن الحوادث قد تحدث مع أحكم الناس .. ذو العقل و العلم و البأس
و لا يخفى عليكم أن التوهان يفتت الرأس .. كما تتفتت الأغصان تحت وطأة الفأس
و ها هي تتولى زمام الكلام .. و تقصُّ عليكم توهانها في البيت الحرام




:

الحادثة السابقة .. مرت عليها سنواتٌ .. و سنوات .. و طواها النسيان !!
و كعادتنا في رمضان .. كنا نذهب إلى مكة لأداء العمرة .. مرة .. أو مرتان
و في إحدى السنوات ـ بعد أن كبرت ـ ذهبنا إلى المسجد الحرام
و بمجرد دخولنا باب الحرم خلعنا أحذيتنا ـ أكرمكم الله ـ و وضعناها داخل حقيبة حملها أخي ـ الغلبان ـ
مشينا متجهين إلى الكعبة المشرفة .. و إذ بالبشر أفواجٌ .. أفواج .. كالأمواج
بل كالدوامات التي تدور حول نقطة واحدة
حشرنا أنفسنا داخل أقرب دوامة .. و أصبحنا نتحرك لا إرادياً .. فالموج البشري يدفعنا رغماً عنا
و فجأة !! .. أمام الحجر الأسود .. إذ بالموج البشري ـ الدوامة ـ يصبح إعصاراً قوياً ، يعصرنا و يقذفنا في كل الاتجاهات
و نحن نقاوم الغرق .. و نحاول التقاط أي ذرة طائشة من ذرات الأوكسجين ، للبقاء على قيد الحياة
و بعد أن تعدينا منطقة الاختناق المروري .. نظرت حولي ، وجدت وجوه إخوتي قد تغيرت إلى وجوه غريبة لا أعرفها
لم أهتم كثيراً .. أكملت الطواف ، ثم صليت الركعتين ، و ذهبت إلى الصفا و المروة ـ محدثة نفسي بأنني لابد أن أجد أي واحد من عائلتي ـ
أنهيت السعي .. ولم يظهر أي وجه مألوف !!
وقفت لمدة تتجاوز الساعة و أنا أنتظر عند آخر باب من الصفا .. لم يحضر أحد !!
ماذا أفعل ؟؟؟؟
قررت أن أعود مشياً على الأقدام ـ ما كن هذي الجملة معادة ؟ ـ إلى منزل أختي التي تسكن في مكة
و لكن هناك مشكلتان لا بل ثلاث مشاكل
أولاً / أنا بدون حذاء !!
ثانياً / لا أحمل هللةً واحدةً في جيبي ـ في الحقيقة .. لم يكن هناك جيب ـ
ثالثاً / كانت هذه الحادثة قبل الجوالات
استجمعت كل شجاعتي .. و خرجت من الحرم .. باتجاه منزل أختي الذي يبعد 20 إلى 30 دقيقة مشياً .. و ساعة إلى ساعة و نصف بالسيارة :)
وقفت أمام الحرم .. حددت الاتجاه الصحيح .. و مشيت ـ حسب الطريقة العلمية لحل المشاكل ـ
مشيت .. و مشيت .. و مشيت .. لمدة 15 دقيقة .. و الطريق يصبح مظلماً أكثر و أكثر
ـ طبعاً كان الوقت مساءً .. كالعادة ـ
و أنا أقول لنفسي : ياااااااااااااااااه .. مكة اتغيرت !!
ثم اكتشفت أنني وسط الطريق السريع المؤدي إلى جدة <<<< وجه في منتهى الذهول
و بكل هدوء و أنفة .. استدرت و عدت أدراجي .. وقفت مرة أخرى أمام الحرم .. حدَّدت اتجاهي الصحيح .. و مشيت
و هذه المرة و لله الحمد كان الاتجاه صحيحاً فأكملت طريقي المملوء بالحجارة الصغيرة التي تنغرس في قدمي الحافيتين
و كلما قطعت متراً إضافياً ، كلما ازداد ألم قدميَّ ، و عطشي
ـ و سرت وحدي شريداً .. محطم الخطوات .. تهزني أنفاسي .. تخيفني لفتاتي ـ <<< موسيقى تصويرية
و هكذا .. ما بين عطشٍ شديد .. و ألم أشد .. إلى أن وصلت بحمد الله إلى منزل أختي
سوف تتساءلون بينكم و بين كمبيوتركم : لماذا لم تأخذي تاكسي إلى منزل أختك ثم طلبتِ من أختك المال اللازم ؟
و سوف أقول لكم : لم ترد الفكرة على رأسي الجميل !! :)
و طبعاً وصلت المنزل و أنا متحفزة لبدء مشاجرة عائلية لأنهم أضاعوني
و استقبلتني أختي الكبرى بالدهشة الشديدة ، فقد كنت ممتقعة اللون ـ وجهي أصفر مائل للسواد ـ قائلةً :
ـ يا بنت فين الباقيين ؟
ـ يؤ .. هم ما وصلوا ؟
و اكتشفت أنني أول واحدة تصل إلى المنزل ..هههههههههههههههههههههه
ـ هذا و أنا حافية .. أجل كيف لو إني لابسة حذياني ؟ ـ

^

^

^


يالله يا حلوين فتكم بعافية و إلى اللقاء في الحلقة المقبلة إن شاء الله <<< يمكن يمكن يمكن يوم الجمعة :)


:


* الصورة التُقِطَت يوم الجمعة 12 / 9 / 1429 هـ الساعة 8 مساءً :)



15 التعليقات:

ابوعبدالعزيز الكثيري يقول...

الكريمة / عائشة
السلام عليكم

بعد طول انتظار .. و الليالي في مضيّ و احتضار .. نطقت ست البنات .. بالقول المنتظر .. وقصت علينا حكاياتها عن التوهان بعد العناد يَا ذا الوجه النَظِر .. وقد آليتُ أن أقرأ خبرها .. وأكون أول من يحضر من البشر .. وها أنا أقف ضاحكا مبتسما قبل الفجر .

" ثم اكتشفت أنني وسط الطريق السريع المؤدي إلى جدة .. "

وعندها توقفت عن سماع الحديث المنقول و قهقهت بالضحك الغير المعقول .. !!

يرحمها الله .. أيُّ طريق سلكت .. وبأي قدم حافية مشت !!

أما هذه القصة فهي بحق مضحكة و فله .. طيب ما جاك فكر لو مسكتك الجوازات او مكافحة التسول .. ايش بيكون لسان حالك وانت ِ حافية القدمين .. !

الله يحفظك بحفظه و يجبنك المزيد من التوهان و العناد ..اللذين هما كالجوهرتين في القلادة التي احاطت العنق الممشوق ..

ننتظر المزيد و المزيد من حكايات التوهان و العناد ..
في حفظ الله

غير معرف يقول...

حلو وصف الطواف في الزحمة بالاعصار... صحيح ١٠٠٪

بعد كده اكيد كل واحد صار يشيل شبشبه بنفسه

alwani يقول...

الرائعة عائشة

شوقتني للعناد

مغامراتي أو بالأصح حياتي هادئة كلها طاعة و تنازل بالمعقول

ولكن حكياتك شوقتني أن أعاند قليلاً اهلي واعتبرها محاولة جديدة:)

بس لو دعو علي ....راح أشير على مدونتك:)

سلمت يمينك
ولا أجد مثلك عنيدة حكيمة :)

alwani يقول...

تصحيح فقط

(كلها طاعة )

قصدت بالطاعة : طاعة قوانين العائلة والمشي على النظام والمسموح والغير مسموح ...ولكن طاعة الله أولى طبعاً
معذرة أزعجتك تعديل في جملتي ولكن خشيت أن يصبح كلامي رياء
^
^
ما أعتقد توجد فرصة عندي للعناد :) راح أنحذف من أقرب نافذة

لكن أحاول يا غاليتي عائشة وإن صار لي شيء على مسؤوليتك أنقليني المستشفى :)))

Aisha Talib يقول...

و عليكم السلام .. و الرحمة و الإكرام

أرأيت يا بسام ما حصل لي في البيت الحرام :(

أما إن تعرضت للجوازات أو مكافحة التسول
فسأهرب كما يهرب ذو العقل من صاحب الجذام :)

<< تخيلني أجري و أنا حافية هههههههه


حفظك الله و أكرمك .. و من نعمه أسبغك

Aisha Talib يقول...

saudiaustralia


أكيد طبعاً و هذا اللي صار يوم الجمعة << ماسكة كيسي في يدي و لا رضيت أحد يشيله :)

شكراً لك على حضورك

Aisha Talib يقول...

ألواني

لا يا غالية خليكِ مطيعة لأهلك << أصحِك تعاندي ممنوع


جعل حياتك كلها طاعة و رضى من أهلك عليك
و طاعة الوالدين يا غالية من طاعة الله لا تنسي


شرفتيني

ahmed_k يقول...

ههههههههههههه
حصل معايا موقف مثيل بموقفك ولكن لأن الحذاء تم السطو عليه
وعدت للفندق حافيا
ولكني أثناء العوده تهت
فحبيت أسأل أحد أصحاب المحلات عن الفندق
فنظر لي من أعلى لأسفل نظرة إذدراء
وقال وهو يشير من هذا الإتجاه
وظللت أضحك في داخلي
فهو قد إعتقد أني متسول ههههههه
وعذره معه فأمثال هؤلاء كثر في المواسم


قصتك جميله يا عائشه
والأجمل إسلوبك السلس البسيط

بارك الله فيكي
تقبلي تحياتي

محمد سعد القويري يقول...

الأخت عائشة
حادثة طريفة أخرى
من قصص الضائعين في ألف ليلة وليلة
أسلوب ظريف
وأتمنى ألا تكوني
تهتِ أو ضعتِ أكثر من ذلك .

ابوعبدالعزيز الكثيري يقول...

عودة مرة أخرى ..

هل من جديد ..

أريد أن أسمع المزيد

يُقال أن شهريار الشرير يتوعد بقطع عنق شهرزاد المسكينة إن وقفت عن الكلام ؛(

Aisha Talib يقول...

ahmed_k

الظاهر إننا لازم نشيل استبنا معانا :)

ألف .. ألف شكر على الزيارة

و جزاك الله خيراً

Aisha Talib يقول...

محمد سعد القويري


يووووووووه

لو ما تهت على الأقل مرة في السنة مابقاش أنا :)


ألف شكر على الزيارة

Aisha Talib يقول...

بسام :

نعم هناك المزيد و المزيد

و لكن شهريار أقلع عن إراقة الدماء بعد أن أصبح الملك السعيد :)


شكراً لك

هندسة العقل يقول...

عائشة ....

كم هو جميل أن أقراء مثل هذه الكلمات التي تتحدث عن قصة ضياع ولكن مضحكتاً جدا ...

أعجباً قولك ( وأنا في أستعداد للبدأ بمشاجرة عائلية لأنهم أضاعوني ) ولكن نجد العجلة هي من أضاعتك ...

تلتقي في ( حادثة ) أخرى وعاقبة ( مثلى )


تقبلي مروري

Aisha Talib يقول...

هندسة العقل :


ألف شكر على المرور العاطر

و يشرفني أن أزور مدونتك في القريب العاجل إن شاء الله


و كل عام و أنت بألف خير